السياسي الحكيم

السياسي الحكيم

كان عجوز.. محنّك، عليم بخبايا الأمور..
يدرك الحكمة من وراء الأشياء..
له عينان حدقت فى التاريخ طويلا.. اطلعت عليه.. وتأملته كثيرا..
قال: (انصت للتاريخ.. وتعلم منه)
وابتسم فى حزن ثم قال:
(قديما، فى عام 1881 م قاد عرابى باشا ثورة ضد الخديوى، وحققت الثورة مطالبها بنجاح تام، مثل إسقاط الوزارة الفاسدة وتشكيل وزارة جديدة مخلصة بقيادة شريف باشا، وتشكيل المجلس النيابى الذى ينوب عن الشعب، حتى وقعت المؤامرة".

كانت مؤامرة مدبرة من الضباط الشراكسة، تهدف إلى اغتيال عرابى، وعندما كشفهم عرابى قدمهم إلى المحاكمة، وحُكم عليهم بأحكام شديدة أيدتها الحكومة، وعندما عُرض الأمر على الخديوى، لم يوافق على المحاكمة، ورأى أن هذه الأحكام ستصبح قاسية على هؤلاء الضباط، وقرر أن يخففها عنهم، وهنا غضب عرابى وأصحابه ومن خلفهم الوزارة، ولم يوافقوا الخديوى على قراره هذا!! وتصاعد الموقف بين الخديوى وبين الوزارة.. حتى كانت تتعالى الأصوات فى المجالس السرية بقيام ثورة على الخديوى ونزع الحكم منه..!! ولا يخفى على العاقل أن الأمر كله كان لا يستحق كل هذا الخلاف ، وكل هذا الصراع وفى هذا الوقت الحرج بالتحديد..

واستغلت إنجلترا وفرنسا ما يحدث، واتخذته حجة لوصول الأسطول الإنجليزى والأسطول الفرنسى لشواطئ الإسكندرية، بحجة فض النزاع والخلاف بين الحكومة وبين الخديوى.. وإعادة الاستقرار للبلاد.
وكان ذلك هو مقدمة ضرب الإسكندرية.. ثم الهجوم على مصر كلها، والاحتلال الإنجليزى البغيض لمصر الذى ساد سنينا طويلة..).

قلت له: (ومن هم الضباط الشراكسة هؤلاء..؟؟)
قال لى: (كانوا ضباط أتراك بمثابة الفلول، فهم الذين كانوا يتبعون الوزارة التى أسقطتها الثورة، وكان يقودهم عثمان باشا رفقى، وكان وزيرا للحربية فى الوزارة القديمة).
فقلت: (يحدث ما يشبه ذلك فى هذه الأيام مع ثورة يناير المجيدة، مؤامرات من فلول، واختلاف بين النخب السياسية فى مواجهتها.. فيعلم الله وحده ما الذى سيؤول الأمر إليه فى النهاية..).

قال العجوز: (إن الإنسان هو الذى يصنع التاريخ.. ويدور الزمن وتتغير الأحداث ويظل الإنسان كما هو ولذا فيجب أخذ العبرة من التاريخ..).



بقلم / أحمد فوزي عبد الرازق

1 comment:

  1. مقال رائع في سرد الأحداث جعلها مترابطة وشعرت بأني اعيشها من حسن سردك لها
    بالتوفيق ان شاء الله ياباشا

    ReplyDelete