يوما لن أنساه ..

لم أكتب يوما مذكراتى ..
ولكن ،هذا اليوم حقا يستحق التسجيل ..
كان ذلك يوم الجمعة ،الموافق 28 من يناير عام 2011 ..عندما دخلت القاهرة صباحا ، وبدأ الأمر عندما اخرجت هاتفى الخاص ، لإجراء اتصال ... فإذ بى لا أجد أى علامة تدل على استقبال الهاتف لشبكة الاتصالات ! وبعد سؤال من حولى أدركت أن شبكات الإتصالات كلها قد سقطت من القاهرة بأكملها ! فأصابنى وجوم ، وعدت أتأمل هاتفى الصامت مرة أخرى .. وقد بدا لى بعد فقْد وظيفته الرئيسية كأنه قطعة معدن لا قيمة لها !!
وبعد قليل ، عرفت أن الشبكة العنكبوتية (Internet) قد تم اسقاطها هى الأخرى عمدا من القاهرة كلها !! وهكذا يكون قد تم عزل القاهرة كليا عن باقى محافظات مصر .. فبدا الأمر كله غامضا .. فيه نذير بأن حدث عظيم سيقع . . . ويتم الاستعداد له ، فقد كانت الأنباء تتطاير عن خروج مظاهرات كبيرة فى هذا اليوم ، فقد بدأت الإحتجاجات فعليا قبل ذلك بيومين.
وبعد أن صليت الجمعة .. رأيت مجموعة من المصلين لا يزيد عددهم عن مئة فرد يتجمعون .. ويهتفون منددين بالظلم والفساد .. فنظرت إليهم باعجاب جمّ ، وبعد تردد اتخذت القرار وانضممت إليهم ، وأنا لم اشترك فى مظاهرة من قبل فى حياتى كلها ..
وسرنا جميعا .. وشيئا فشيئا ، أخذ حماس غريب يتسلل إلى قلبى .. وأخذ صوتى بالهتاف يعلو .. وكنت انظر خلفى فأرى عددنا قد بدأ يتجاوز الألف !! وكنا نمضى بعيدا عن الشوارع الرئيسية ، حتى نتفادى حصار قوات الأمن لنا .. فنسلك الشوارع الجانبية .. وسط المنازل ، فنرى الناس وقد خرجت إلى الشرفات يرمقونا بانبهار .. ولمحت امرأة عجوز وقد بكت لما رأتنا وأخذت تدعو لنا بالحفظ والحماية .. فيلتهب الحماس بداخلى أكثر .. وازداد عددنا !! حتى تجاوزنا الخمسة آلاف عند المغيب ، فتحت أشعة شمس الغروب المجيدة رأيت التحام الناس وزحفهم ..
مازلت أتذكر عندما وقفنا فى صفوف متناسقة وقد تشابكت أذرعنا مع بعضها .. ثم أخذنا نضرب الأرض بأقدامنا ضربة رجل واحد ،ثم ترتفع أصواتنا هادرة ( الشعب .. قادم ..) فيتحول الحماس إلى فورة متأججة وأخذت تنتابنى أحاسيس جديدة غريبة .. لم أشعر بها من قبل ! وأدركت الآن معنى قيام الشعب .. ورأيته وهو يجوب الشوارع زافرا غضبه فى وجه الظلم ، لقد أصبحنا كتلة محتشدة تغلى فى وسط القاهرة ، يقول علماء الإجتماع أن الجماعات الكبيرة من الناحية النفسية لا تتكون من المجموع الحسابى لأعداد أفرادها وإنما يتشكل تشكيل جديد من هؤلاء الأفراد له خصائص نفسية جديدة غير التى يتميز بها الأفراد منفردين وكانت أهم خصائصنا الاتحاد والغضب ..

وعندما توغل الليل .. كان التعب قد بلغ منى مبلغه .. فقررت العودة لمنزلى ، وإذ بى أجد قوات الجيش وقد خرجت من ثكناتها !! وبدت مدرعاته رهيبه وهى تمضى فى شوارع المدينة ، وكانت أول مرة لى أرى فيها مدرعات الجيش وهى خارج ثكناتها العسكرية ، فكان مشهدها يثير الرهبة والكآبة فى النفوس .. وبدأت قوات الجيش تعيد السيطرة على الأمور ، وكانت الفوضى قد سادت أغلب شوارع القاهرة ...
وعندما وصلت إلى المنزل .. ذهبت على الفور لأشاهد الأخبار .. وإذ بى أجد أن الأمر تقريبا قد اشتعل فى باقى محافظات مصر .. تماما كما حدث فى القاهرة !! فعلمت أنها ثورة . ثورة قام بها شعب مصر فى هذا اليوم .. ولمحت عبر الزمن أجيالا قادمة .. تقرأ فى كتب التاريخ عن ثورة يناير التى انتفض فيها الشعب ضد الفساد الذى ساد البلاد لثلاثين عاما متواصلة .

3 comments:

  1. لم تكن ثورة على الظلم والطغيان بل كانت على الخنوع للظلم والطغيان، لم تكن ثورة على الديكتاتور والنظام المستبد بل كانت ثورة على نفوسنا الخائفة الذليلة... كانت ثورة تحرير نفوسنا وتطهيرها من السلبية والخنوع والاستسلام
    لقد تحررت مصر لأننا حررنا نفوسنا وانطلقنا من سجن النفوس وأسر الأرواح
    بارك الله في مصر وفي شعب مصر وفي شباب مصر
    بارك الله فيك يا أحمد
    ووفقك لمزيد من النجاح والإبداع

    ReplyDelete
    Replies
    1. الأستاذة الكريمة / أمينة

      أوافقك تماما فيما تذهبين إليه من أنها كانت ثورة على الخنوع للظلم والطغيان

      وأهلا بكى فى مدونتى

      وجزاكى الله خيرا

      Delete
  2. الثورة مستمرة ...............
    شكرا لك

    ReplyDelete